ويتضح لنا هنا ميزة أخرى
للشكل الحلزوني للقوقعة حيث لو أنها بقيت على شكل أنبوب لاحتلت الألياف
العصبية حيزاً كبيراً في الجمجمة قبل أن يتم لفها في ضفيرة واحدة. إن الأذن
بما فيها من مكونات بالغة التعقيد ما هي إلا جهاز طرفي يقوم بتحويل
الموجات الصوتية المنتشرة في الهواء إلى إشارات عصبية محمولة بالألياف
العصبية تحدد الترددات المختلفة التي يحتويها الصوت وكذلك شدة كل تردد
منها. أما المهمة الأصعب في نظام السمع والذي لا زال العلماء يجهلون كثيراً
من أسرارها فهي في الكيفية التي تعمل بها الخلايا العصبية في الدماغ على
هذه الإشارات لتعطي الإنسان نعمة الإحساس بالصوت والتي قل من الناس من يشكر
من أبدعها سبحانه وتعالى لقوله عز من قائل: "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " [المؤمنون : 78] .
إن أقل شدة ضغط للموجات
الصوتية يمكن أن تلتقطها الأذن السليمة والتي تسمى بحساسية الأذن تبلغ 20
ميكروباسكال والباسكال هو وحدة الضغط الأساسية وهو الضغط الناتج عن تسليط
قوة مقدارها نيوتن واحد على مساحة مقدارها متر مربع. أما أشد ضغط يمكن أن
تتحمله الأذن دون أن يصيبها خلل فهو 20 باسكال أي بما يزيد عن مليون مرة عن
أقل ضغط وهذه نسبة بالغة العلو لا يمكن أن يحصل عليها لولا أن الذي صممها
هو الذي أحاط علمه بكل شيء سبحانه وتعالى.
فبهذا المدى الديناميكي
البالغ العلو يمكن للأذن أن تسمع أصوات بالغة الخفوت كحفيف الأوراق وطنين
الحشرات وأصوات بالغة الضجيج كدوي المدافع وهدير الطائرات دون أن تتأذى.
ويعود الفضل في هذه الحساسية العالية للأذن إلى الحساسية العالية للخلايا
الشعرية الداخلية فهي قادرة على إلتقاط الأصوات الخافتة رغم أنها مدفونة
داخل طبقات متعددة من الأغشية ولا يصلها الصوت إلا بعد مروره على عدد كبير
من المكونات كطبلة الأذن والعظمات الثلاثة والغشاء البيضاوي والأغشية
الفاصلة بين قنوات القوقعة.
وبسبب الحساسية العالية
للخلايا الشعرية فإنها معرضة للموت إذا ما تعرضت لأصوات تزيد شدتها عن 20
باسكال أو لأصوات أقل شدة ولكن لفترات طويلة ولذا فعلى الإنسان أن يتجنب
التعرض لهذه الأصوات حيث أن الخلية التي تموت لا يمكن أن تستبدل مع العلم
أن عددها يزيد قليلا عن ثلاثة آلاف خلية.
ويوجد في الأذن الداخلية
إلى جانب القوقعة جهاز آخر بالغ الأهمية يقوم بوظيفة أساسية ومهمة في نظام
حفظ اتزان جسم الإنسان وتحديد اتجاه وسرعة حركته فبدونه لا يمكن للإنسان أن
يحافظ على اتزان جسمه سواء أكان جالساً أو واقفاً أو ماشياً أو راكضاً أو
غير ذلك من الأوضاع التي يتخذها الجسم. وكذلك يقوم بوظيفة أخرى بالغة
الأهمية وهي إبقاء العينين موجهتان نحو ما تنظران إليه وعدم تشويش الصور
الملتقطة في حالة تحرك الرأس.
وعلى الرغم من أن جهاز
الإتزان هذا لا علاقة له بالسمع إلا أن وجوده بجانب القوقعة يدل على مدى
علم من وضعه بجانبه سبحانه وتعالى. فمبدأ عمل جهاز الإتزان هو نفس مبدأ عمل
القوقعة تماماً ويستخدم نفس الآليات التي تستخدمها وخاصة الخلايا الشعرية
الحساسة لأي حركة في السائل المغموسة فيه.
يتركب الجهاز من ثلاث قنوات
عظمية مجوفة لها شكل شبه دائري ولذلك يطلق عليها القنوات شبه الدائرية أو
القنوات الهلالية ومن تجويفين متجاورين بينهما فتحة وأحدهما أكبر قليلاً من
الأخر.
إن القنوات الثلاث
والتجويفين مفتوحة على بعضها البعض وهي مفتوحة أيضاً على القناة الوسطى في
القوقعة وهي مملوءة بسائل ليمفاوي. ويوجد في هذا الجهاز خمسة حساسات للحركة
ثلاثة منها موجودة في القنوات الهلالية مثبتة عند أطرافها والآخران
موجودان في التجويفان.
فحساسات القنوات الهلالية
مسؤولة عن الإحساس بالحركة الدورانية حول المحاور الثلاث للفضاء ولذلك نجد
أن هذه القنوات موضوعة في ثلاث مستويات متعامدة على بعضها البعض تقريباً.
فعندما يحرك الإنسان رأسه حول المحور الرأسي فإن السائل الذي في القناة
الأفقية سيتحرك فقط ويضغط على الحساس الذي في نهايتها فيرسل إشاراته إلى
الدماغ وهكذا الحال عند تحريك الرأس حول بقية المحاور.
أما الحساسان الموجودان في
التجاويف فهي مسؤولة عن الإحساس بالحركة الخطية للرأس والجسم وقد تم تثبيت
الحساسين بحيث يكون أحدهما في المستوى الأفقي تقريباً والآخر في المستوى
الرأسي وذلك لتحديد اتجاه الحركة في مختلف الإتجاهات. ويتكون حساس الحركة
الدورانية من طبقة من الخلايا الشعرية مغطاة بطبقة من مادة جلاتينية على
شكل حلمة رضاعة الأطفال.
وعندما يتحرك السائل في
القنوات الهلالية نتيجة لحركة الرأس الدورانية فإنه يحرك الحلمة فيستثير
الخلايا الشهرية فيرسل إشارات كهربائية يعتمد ترددها على سرعة الدوران في
الاتجاه المعني. أما حساس الحركة الخطية فيتكون من طبقة من الخلايا الشعرية
مغطاة بطبقة من مادة جلاتينية يكسوها طبقة من بلورات كربونات الكالسيوم
الصلبة.
وعندما يتحرك الرأس بشكل
خطي في أي اتجاه فإن الطبقة البلورية الثقيلة نسبياً تقاوم الحركة بسبب
تثاقلها أو ما يسمى بقصورها الذاتي فتضغط على الطبقة الجلاتينية فتستثير
الخلايا الشعرية وترسل بإشاراتها إلى الدماغ.
وكما هو واضح من الصور فإن
الخلايا الشعرية لكل حساس من الحساسات الخمسة ترتبط بألياف عصبية تجتمع مع
بعضها في ضفيرة واحدة تذهب إلى منطقة الدماغ المسؤولة عن الإتزان لتعالج
هذه الإشارات مع بقية الإشارات القادمة من مختلف أنحاء جسم الإنسان ومن ثم
تقوم بإرسال إشارات إلى مختلف عضلات جسم الإنسان لتحفظ للجسم توازنه في
جميع أوضاعه.